كانت الساعة الثامنة والنصف مساءً عندما أخبرني أخي ياسر بأن حالة جدي عبدالله قد انتكست في المستشفى، تركت كل الأعمال التي كنت أقوم بها وانطلقت كالمجنون إلى مستشفى دبي. حيث ودعت جدتي فاطمة قبل ثلاثة أعوام تقريباً. لا أعلم ما هو الطريق الذي أخذته، كل ما أعلمه أنه كان طريقاً مليئاً بالدعاء والذكريات، الدعاء لجدي وذكريات جدتي.
وصلت إلى غرفته فرأيت جدي على السرير وعمتي "موزة" تقف بجانبه، تقرأ القرآن وتدعي له، وفي محاولة منها لتخفيف ثقل المشهد قالت لنا أن جدي استيقظ في الساعة الرابعة ليسأل عن أبي سعيد وعمي أحمد، فأخبرته أنهم في الطريق، فقال لها: "إذا وصلوا وما شفتهم، قوليلهم إنّي راضي عليهم". لم أتمكن من الوقوف في الغرفة، فخرجت وقد امتلأت عيناي بالدموع. أدركت حينها أن رضا الوالدين من أعظم أمور الدنيا. استمرت عمتي بالدعاء واستمرت حالة جدي بالتحسن، حتى أخبرتنا الطبيبة بأن حالته قد استقرت. فعدنا إلى منازلنا.
في طريق العودة تساءلت كثيراً، لماذا أراد جدي أن يخبر أبناءه بأنه راضٍ عنهم؟ كان أبي وعمي مثالاً في صلة الرحم، ولا أنسى اتصال أبي في كل جمعةٍ بعد الصلاة ليسألني إذا ذهبت إليه أم لا. كنت أجد أبي وعمي في كل مرةٍ أقوم فيها بزيارة جدي. كان رحمه الله بسيطاً جداً، يحدثنا عن ماضيه، وعن أصدقائه وعن أجدادي. حيث أخبرني مرةً عن تاريخ العائلة من مدينة أبوظبي، إلى الشارقة ورأس الخيمة، حتى استقرارنا في دبي. كان يسألني دائماً عن وظيفتي، وفي كل مرة يسألني من هو مديرك؟ وعندما أخبره بإسمه يقول لي: “سلّم عليه”. بالرغم من أنه لم يكن يعرفه، ولكنه كان يحب الناس، ويحب أن يعلموا بذلك.
أكتب هذا النص وقد رحل جدي عبدالله (رحمه الله) قبل قليل. كان رحيله يشبهه جداً، بسيطٌ ومؤثر. وبعد أن قبّلت رأسه ورأيت أبي وعمي يبكييان بجانبه، عرفت تماماً لماذا أراد جدي أن يعلم أبناءه بأنه راضٍ عنهم ولماذا كانت هذه آخر الجمل التي قالها جدي قبل رحيله. قالها لكي يمنحهم الراحة والطمأنينة، لكي يرتاح أبي وعمي بعد رحيل والدهم بأنهم أدّوا أمانتهم تجاهه، وأنهم برّوا به وأحسنوا إليه خير الإحسان، حتى في آخر لحظاته في الدنيا.
رحل جدي هادئاً، راضياً، مطمئناً بأنه قد ترك خلفه أبناء وبناتاً يحبونه، وأحفاداً يرون فيه مثالاً للرضا، يكملون مسيرته في هذه الدنيا، ويشعرون بالسعادة لأن اسمهم يرتبط بإسمه. قال لي أحد الأقارب قبل دفن جدي، أتعلم ماهو أعظم شيءٍ فعله جدك في حياته؟ إنها هذه الذرية الصالحة، لقد ترك جدّنا إرثاً عظيماً، وأجيالاً بإمكانهم أن يخففوا أي مصيبةٍ عليه، فقلت له، لذلك رحل راضياً عنّا.
رحم الله جدي عبدالله وجدتي فاطمة وجدي أحمد وجدتي مريم، فقد قاموا بتربيتنا خير التربية، وتعلمنا منهم جميعاً. وبالرغم من حزني الشديد على فراقهم جميعاً، إلاّ أنني أشعر بالراحة التامة بأن الله منحني فرصةً للعيش معهم وفرصةً لتذكّرهم بعد رحيلهم، ومنحني فرصةً أيضاً لتوديعهم وداعاً يليق بهم.
"إذا وصلوا وما شفتهم، قوليلهم إنّي راضي عليهم"
ردحذفدمعت عيناي عندما قرأتها.. عسى الله أن يرحمهم جميعاً
الله يرحمهم ، هذا ثاني شي اقراه لك واول مرة اتعرف عليك من خلال كتاباتك
ردحذفالله يرحمهم ،، و يجعلهم من اهل الجنة ، دائماً حزن الفقد و الاشتياق يكون عميق ، لكن هذي هي سنة الحياة ،، و الحمدلله 💚
ردحذفتأثرت باللي قريته، اكثر جزء حبيته يوم يقول سلم على مديرك..
ردحذفالله يرحمه ويرحم موتانا وموتى المسلمين