الاثنين، 27 أبريل 2015

شكراً سبستيان



بعد الانتهاء من تصوير برنامج ما قل ودل لهذا الموسم في فرنسا، قررت البقاء لوحدي لأربعة أيام، أستغلها في التصوير والبحث عن شيءٍ لا أعرفه. وفي أول يومٍ أتى "سبستيان" وزوجته وابنه "كوتا" للقيام ببعض أعمال الصيانة في المنزل. وبعد انتهائه من عمله في ذلك اليوم، سألني إن كنت أعيش لوحدي هنا، (لم يكن يتحدث الإنجليزية، فكلما أراد أن يحدثني كان ابنه يقف بجانبه ليترجم لي ما يقوله). قلت له نعم، أنا لوحدي هنا، لأربعة أيامٍ فقط. نظر إلى عائلته، تحدث إليهم بالفرنسية وبدؤوا يضحكون. لم أفهم شيئاً مما قاله، لكنني كنت أعلم تماماً بأنهم يتحدثون عني، خفت قليلاً، اقترب "كوتا" مني وأخبرني بأن والده يريدني أن أحضر عشاءهم الليلة، لأن عائلتهم تحب أن تجتمع في نهاية الأسبوع. وبعد أن اعتذرت عن العشاء، طلب مني الذهاب معهم لمركز لعب "البولينج"، وأصرّ على ذلك، فوافقت أخيراً. 

وفي الطريق إلى هناك، سألت "كوتا"، لماذا أصر "سبستيان" على مجيئي معكم؟ فقال لي أنه رآني وحيداً، فقال لعائلته: "ليس من الصحيح أن نترك هذا الشاب وحيداً وقد استقبلنا استقبالاً جيداً في منزله". 

لم أكن أشعر بالوحدة في المنزل أبداً؛ لأن أصدقائي وكل الناس الذين أتواصل معهم كانوا في هاتفي، أتواصل معهم بالرسائل والفيديو أحياناً عن طريق برنامج "سناب شات". كنت أشعر بأن هذا هو التواصل الحقيقي، وأنني أقرب إليهم من أي وقتٍ آخر. 
في الحقيقة، كنت أشعر بالوحدة فقط كلما فتحت هاتفي ولم أجد رسالة من أحد، أو تعليقاً على صورة أو فيديو قمت بنشره مؤخراً.

لاحظت في تلك الليلة مع العائلة الفرنسية بأنهم لا يستخدمون هواتفهم بقدر ما نستخدمها، فكانوا يستمتعون بأصغر الأشياء وأبسطها، مثل لعبة البولينج، وتحدي البليارد. كما أنهم اجتمعوا على طاولة صغيرة لتناول قطعة من البيتزا والحديث عنها، دون أن يقوم أحدهم بتصويرها وإرسالها لأيٍّ من برامج التواصل الاجتماعي لإخبار الجميع بأنه يتناول البيتزا حالياً.

في الطريق إلى المنزل سألني "كوتا" إذا كنت أستخدم برنامج الانستجرام، وعندما رأى بأن لدي من المتابعين ما يقارب الستة آلاف متابع، قال لي: "إنك شخصٌ مشهور، لديك الكثير من المتابعين". ابتسمت وقلت له: "يعتبر هذا الرقم ضئيلاً جداً في مجتمعنا". قال لي: "لا أعتقد بأنّي سأصل إلى هذا العدد من المتابعين أبداً، فأنا استخدم الانستجرام للتواصل مع عائلتي، وأصدقائي في الجامعة، فيكفيني أن أعرف مالذي يفعلونه في حياتهم".

أدركت حينها بأن كثرة استخدامي لهذه البرامج انتزع مني شيئاً من الواقعية، وأن الحديث مع الآلاف من الأشخاص خلف الشاشات لا يساوي ساعةً واحدة من التواصل الحقيقي مع مجموعة من الأهل والأصدقاء، لذلك شعرت باستغراب عندما دعاني سبستيان لتناول العشاء معهم، غير أن الأمر كان طبيعياً جداً بالنسبة لهم. 

أكتب الآن وقد ازداد عدد متابعي صفحتي على الانستجرام، واقترب أكثر من الستة آلاف، بينما متابعي "كوتا" لم يتغير رقمهم أبداً، لأن أصدقاءه الحقيقيين لم يتغيروا، ولأن البرنامج يعتبر جزءاً إضافياً من التواصل بالنسبة له، وليس شيئاً أساسياً كما كان باعتقادي، فيالسعادته، ويالتعاستي.

هناك 4 تعليقات :

  1. الصورة رائعة ومؤثرة جداا حبيت خيال الشخص

    ردحذف
  2. على العكس تماما لا اتفق معك وإن كان لا يهم !
    وسائل التواصل وان كانت قرّبت البعيد وابعدت القريب الا اننا لا نستغني ، لا نشعر بالوحده ، نحب المشاركه واتوقع هذه غريزه بالعرب وخصوصاً الخليج
    حب المشاركه مشاركة الافراح والاحزان وجميع الاحداث حتى وان كانت كوب قهوه !
    لذلك لا احب المقارنه خصوصاً في هذا المجال *مجال الشعور* وان كان الشعور وفيّ !

    ردحذف
  3. جميييل و قد شعرت بنفس الشعور ذات يوم ،،
    شكراً

    ردحذف
  4. شو احلى من أن يعيش الشخص حياة بسيطة مليئة بالمشاعر الصادقة

    ردحذف