سألتني نفسي يوماً، "من تكون؟ أيها الواقف بيني وبين رغباتي؟ تمنحني قليلاً وتمنعني كثيراً. تأخذني صباحاً إلى السعادة، وتعود بي ليلاً. امنحني شيئاً من الوقت، شيئاً من الحرية في أن أكون أنا. في ممارسة أبسط عاداتي في التحليق بعيداً عنك".
أيتها النفس، قفي قليلاً وانظري إليّ، أنا لست سجّانك، ولست حارسك الذي يقف أمام قضبان الحرية. إنما أنتِ وأنا نقف معاً، أنتِ ظلي الذي لا يفارقني أبداً. نتشابه كثيراً، نعشق بعضناً، ونكره بعضنا، كأزواجٍ وقفوا متقابلين يوماً وأمطروا بعضهم بالوعود والكلمات، حتى جفّت السماء.
أيتها النفس، رغباتك مجنونة، تشبهك كثيراً، تأتيني كل يومٍ كشحاذٍ يقف أمامي، يطلب أشياء لا أحملها معي، ولا يسعني دفعها، فيقذفني ببعض الكلمات ويرحل. ويعود في اليوم التالي ليلقي علي همه ووجعه وأحزانه. أيتها النفس، كيف لي أن أنحني أمامك كل يومٍ مثل عبدٍ لا يملك القدرة على الطاعة، تحبسه الذكريات وتطلق الأحلام سراحه.
إن الحرية التي تنشدينها إنما هي بقربي، بالوقوف هنا، بالتحليق معي، لا بالتحليق بعيداً عني. فالطير إن غنّى وحيداً على غصن الشجرة إنما يغني سجيناً، يحبسه الغصن، ولا يسمع إنشاده أحد. والباحث عن الحرية وحيداً لا يصل أبداً، مثل كتابٍ ممزق، مجهول البداية والنهاية.
أيتها النفس، كوني أنا، لا تكوني رغباتي فقط، ولا تجعلي من جسدي آلة لتحقيق رغباتك. اجعلينا أحراراً معاً، نحلق بعيداً معاً، حتى نقف على الغصن نفسه، فتسمعين إنشادي وأسمع إنشادك. فمتى كنتِ سعيدةً، كنت سعيداً. أيتها النفس، فلنصبح قصةً واحدةً في نفس الكتاب، كوني أنتِ صفحته الأولى واجعليني صفحته الأخيرة.